الـــبُـــــردة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الـــبُـــــردة
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم ** مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
أَمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ ** وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا ** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم ** ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ ** ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت ** به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى ** مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني ** والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة ** مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر ** عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ ** إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي ** والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت ** من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ** ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره ** كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها ** كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها ** إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على ** حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه ** إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ ** وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة ** من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع ** فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت ** من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً ** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ ** لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به ** وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً ** ولم أصل سوى فرض ولم اصم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى ** أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى ** تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ ** عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته ** إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ** لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقلين ** والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ ** أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ** لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به ** مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ** ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ ** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم ** من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي ت م معناه وصورته ** ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه ** فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم ** واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له ** حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً ** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به ** حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ** في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ ** صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ** قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ ** وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها ** فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها ** يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ ** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ ** والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته ** في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ ** من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ ** طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره ** يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم ** قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ ** كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ ** عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها ** ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل ** حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ ** والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم ** تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ ** بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب ** منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ ** من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ ** أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما ** نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ** تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت ** فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة ** تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له ** من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم ** وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما ** وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ** خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ ** من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به ** إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده ** إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له ** قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته ** فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ ** ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته ** وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته ** حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها ** سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت ** ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ ** وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى ** ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ ** قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا ** عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ ** من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ ** لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ ** أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها ** ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ ** وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها ** ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له ** لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظى ** أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به ** من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً ** فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها ** تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ** وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته ** سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ ** ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ ** كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً ** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها ** والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم ** في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ ** من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ ** نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ ** عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ ** وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ ** وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا ** من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته ** بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته ** كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ ** حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به ** أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها ** ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم ** بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ ** يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ ** يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم ** من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ ** وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ** ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحداً ** فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت ** من العدا كل مسودٍ من اللممِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركت ** أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم ** والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم ** فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً ** من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً ** فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته ** إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ ** به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته ** كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ ** فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً ** في الجاهلية والتأديب في اليتم
في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
خدمته بمديحٍ استقيل به ** ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه ** كأنَّني بهما هديٌ من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما ** حصلت إلا على الآثام والندم
فياخسارة نفسٍ في تجارتها ** لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آجلاً منه بعاجلهِ ** يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض ** من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمةً منه بتسميتي ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدى ** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه ** أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه ** وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت ** إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت ** يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
***
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ** واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ** سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ** إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ** ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت ** إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها ** تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ ** لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له ** صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ ** على النبي بمنهلٍ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا ** وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ ** وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم ** أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ** واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما ** يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ ** واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم
وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت ** والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ ** فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم
أمن تذكر جيرانٍ بذى سلم ** مزجت دمعا جَرَى من مقلةٍ بدم
أَمْ هبَّت الريحُ مِنْ تلقاءِ كاظمةٍ ** وأَومض البرق في الظَّلْماءِ من إِضم
فما لعينيك إن قلت اكْفُفاهمتا ** وما لقلبك إن قلت استفق يهم
أيحسب الصب أن الحب منكتم ** ما بين منسجم منه ومضطرم
لولا الهوى لم ترق دمعاً على طللٍ ** ولا أرقت لذكر البانِ والعلمِ
فكيف تنكر حباً بعد ما شهدت ** به عليك عدول الدمع والسقمِ
وأثبت الوجد خطَّيْ عبرةٍ وضنى ** مثل البهار على خديك والعنم
نعم سرى طيف من أهوى فأرقني ** والحب يعترض اللذات بالألمِ
يا لائمي في الهوى العذري معذرة ** مني إليك ولو أنصفت لم تلمِ
عدتك حالي لا سري بمستتر ** عن الوشاة ولا دائي بمنحسم
محضتني النصح لكن لست أسمعهُ ** إن المحب عن العذال في صممِ
إنى اتهمت نصيح الشيب في عذلي ** والشيب أبعد في نصح عن التهتمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
فإن أمارتي بالسوءِ ما أتعظت ** من جهلها بنذير الشيب والهرم
ولا أعدت من الفعل الجميل قرى ** ضيف ألم برأسي غير محتشم
لو كنت أعلم أني ما أوقره ** كتمت سراً بدا لي منه بالكتمِ
من لي برِّ جماحٍ من غوايتها ** كما يردُّ جماح الخيلِ باللُّجُم
فلا ترم بالمعاصي كسر شهوتها ** إن الطعام يقوي شهوة النَّهم
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ على ** حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه ** إن الهوى ما تولى يصم أو يصم
وراعها وهي في الأعمالِ سائمةٌ ** وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلة ** من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبع ** فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت ** من المحارم والزم حمية الندمِ
وخالف النفس والشيطان واعصهما ** وإن هما محضاك النصح فاتَّهِم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكماً ** فأنت تعرف كيد الخصم والحكم
أستغفر الله من قولٍ بلا عملٍ ** لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقُم
أمْرتُك الخير لكن ما ائتمرت به ** وما استقمت فما قولى لك استقمِ
ولا تزودت قبل الموت نافلةً ** ولم أصل سوى فرض ولم اصم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
ظلمت سنة من أحيا الظلام إلى ** أن اشتكت قدماه الضر من ورم
وشدَّ من سغب أحشاءه وطوى ** تحت الحجارة كشحاً مترف الأدم
وراودته الجبال الشم من ذهبٍ ** عن نفسه فأراها أيما شمم
وأكدت زهده فيها ضرورته ** إن الضرورة لا تعدو على العصم
وكيف تدعو إلى الدنيا ضرورة من ** لولاه لم تخرج الدنيا من العدمِ
محمد سيد الكونين والثقلين ** والفريقين من عرب ومن عجمِ
نبينا الآمرُ الناهي فلا أحدٌ ** أبر في قولِ لا منه ولا نعم
هو الحبيب الذي ترجى شفاعته ** لكل هولٍ من الأهوال مقتحم
دعا إلى الله فالمستسكون به ** مستمسكون بحبلٍ غير منفصم
فاق النبيين في خلقٍ وفي خُلُقٍ ** ولم يدانوه في علمٍ ولا كرم
وكلهم من رسول الله ملتمسٌ ** غرفاً من البحر أو رشفاً من الديمِ
وواقفون لديه عند حدهم ** من نقطة العلم أو من شكلة الحكم
فهو الذي ت م معناه وصورته ** ثم اصطفاه حبيباً بارئُ النسم
منزهٌ عن شريكٍ في محاسنه ** فجوهر الحسن فيه غير منقسم
دع ما ادعثه النصارى في نبيهم ** واحكم بماشئت مدحاً فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف ** وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له ** حدٌّ فيعرب عنه ناطقٌ بفم
لو ناسبت قدره آياته عظماً ** أحيا اسمه حين يدعى دارس الرمم
لم يمتحنا بما تعيا العقول به ** حرصاً علينا فلم نرْتب ولم نهمِ
أعيا الورى فهم معناه فليس يرى ** في القرب والبعد فيه غير منفحم
كالشمس تظهر للعينين من بعُدٍ ** صغيرةً وتكل الطرف من أمم
وكيف يدرك في الدنيا حقيقته ** قومٌ نيامٌ تسلوا عنه بالحلمِ
فمبلغ العلم فيه أنه بشرٌ ** وأنه خير خلق الله كلهمِ
وكل آيٍ أتى الرسل الكرام بها ** فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضلٍ هم كواكبها ** يظهرن أنوارها للناس في الظلم
أكرم بخلق نبيّ زانه خلقٌ ** بالحسن مشتمل بالبشر متسم
كالزهر في ترفٍ والبدر في شرفٍ ** والبحر في كرمٍ والدهر في همم
كانه وهو فردٌ من جلالته ** في عسكر حين تلقاه وفي حشم
كأنما اللؤلؤ المكنون فى صدفٍ ** من معدني منطق منه ومبتسم
لا طيب يعدل تُرباً ضم أعظمهُ ** طوبى لمنتشقٍ منه وملتثمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
أبان موالده عن طيب عنصره ** يا طيب مبتدأ منه ومختتم
يومٌ تفرَّس فيه الفرس أنهم ** قد أنذروا بحلول البؤْس والنقم
وبات إيوان كسرى وهو منصدعٌ ** كشمل أصحاب كسرى غير ملتئم
والنار خامدة الأنفاس من أسفٍ ** عليه والنهر ساهي العين من سدم
وساءَ ساوة أن غاضت بحيرتها ** ورُد واردها بالغيظ حين ظمي
كأن بالنار ما بالماء من بلل ** حزناً وبالماء ما بالنار من ضرمِ
والجن تهتف والأنوار ساطعةٌ ** والحق يظهر من معنى ومن كلم
عموا وصموا فإعلان البشائر لم ** تسمع وبارقة الإنذار لم تُشَم
من بعد ما أخبره الأقوام كاهِنُهُمْ ** بأن دينهم المعوجَّ لم يقمِ
وبعد ما عاينوا في الأفق من شهب ** منقضةٍ وفق ما في الأرض من صنم
حتى غدا عن طريق الوحى منهزمٌ ** من الشياطين يقفو إثر منهزم
كأنهم هرباً أبطال أبرهةٍ ** أو عسكرٌ بالحصى من راحتيه رمى
نبذاً به بعد تسبيحٍ ببطنهما ** نبذ المسبِّح من أحشاءِ ملتقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
جاءت لدعوته الأشجار ساجدة ** تمشى إليه على ساقٍ بلا قدم
كأنَّما سطرت سطراً لما كتبت ** فروعها من بديع الخطِّ في اللقم
مثل الغمامة أنَّى سار سائرة ** تقيه حر وطيسٍ للهجير حَم
أقسمت بالقمر المنشق إن له ** من قلبه نسبةً مبرورة القسمِ
وما حوى الغار من خير ومن كرم ** وكل طرفٍ من الكفار عنه عم
فالصِّدْقُ في الغار والصِّدِّيقُ لم يرما ** وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على ** خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفةٍ ** من الدروع وعن عالٍ من الأطُم
ما سامنى الدهر ضيماً واستجرت به ** إلا ونلت جواراً منه لم يضم
ولا التمست غنى الدارين من يده ** إلا استلمت الندى من خير مستلم
لا تنكر الوحي من رؤياه إن له ** قلباً إذا نامت العينان لم ينم
وذاك حين بلوغٍ من نبوته ** فليس ينكر فيه حال محتلم
تبارك الله ما وحيٌ بمكتسبٍ ** ولا نبيٌّ على غيبٍ بمتهم
كم أبرأت وصباً باللمس راحته ** وأطلقت أرباً من ربقة اللمم
وأحيتِ السنةَ الشهباء دعوته ** حتى حكت غرة في الأعصر الدهم
بعارضٍ جاد أو خلت البطاح بها ** سيبٌ من اليم أو سيلٌ من العرمِ
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
دعني ووصفي آيات له ظهرت ** ظهور نار القرى ليلاً على علم
فالدُّرُّ يزداد حسناً وهو منتظمٌ ** وليس ينقص قدراً غير منتظم
فما تطاول آمال المديح إلى ** ما فيه من كرم الأخلاق والشِّيم
آيات حق من الرحمن محدثةٌ ** قديمةٌ صفة الموصوف بالقدم
لم تقترن بزمانٍ وهي تخبرنا ** عن المعادِ وعن عادٍ وعن إِرَم
دامت لدينا ففاقت كلَّ معجزةٍ ** من النبيين إذ جاءت ولم تدمِ
محكّماتٌ فما تبقين من شبهٍ ** لذى شقاقٍ وما تبغين من حكم
ما حوربت قط إلا عاد من حَرَبٍ ** أعدى الأعادي إليها ملقي السلمِ
ردَّتْ بلاغتها دعوى معارضها ** ردَّ الغيور يد الجاني عن الحرم
لها معانٍ كموج البحر في مددٍ ** وفوق جوهره في الحسن والقيمِ
فما تعدُّ ولا تحصى عجائبها ** ولا تسام على الإكثار بالسأمِ
قرَّتْ بها عين قاريها فقلت له ** لقد ظفرت بحبل الله فاعتصم
إن تتلها خيفةً من حر نار لظى ** أطفأت حر لظى من وردها الشم
كأنها الحوض تبيض الوجوه به ** من العصاة وقد جاؤوه كالحمم
وكالصراط وكالميزان معدلةً ** فالقسط من غيرها في الناس لم يقم
لا تعجبن لحسودٍ راح ينكرها ** تجاهلاً وهو عين الحاذق الفهم
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد ** وينكر الفم طعم الماءِ من سقم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
يا خير من يمم العافون ساحته ** سعياً وفوق متون الأينق الرسم
ومن هو الآية الكبرى لمعتبرٍ ** ومن هو النعمةُ العظمى لمغتنم
سريت من حرمٍ ليلاً إلى حرمٍ ** كما سرى البدر في داجٍ من الظلم
وبت ترقى إلى أن نلت منزلةً ** من قاب قوسين لم تدرك ولم ترم
وقدمتك جميع الأنبياء بها ** والرسل تقديم مخدومٍ على خدم
وأنت تخترق السبع الطباق بهم ** في مركب كنت فيه صاحب العلم
حتى إذا لم تدع شأواً لمستبقٍ ** من الدنوِّ ولا مرقى لمستنم
خفضت كل مقامٍ بالإضافة إذ ** نوديت بالرفع مثل المفردِ العلم
كيما تفوز بوصلٍ أي مستترٍ ** عن العيون وسرٍ أي مكتتم
فحزت كل فخارٍ غير مشتركٍ ** وجزت كل مقامٍ غير مزدحم
وجل مقدار ما وليت من رتبٍ ** وعز إدراك ما أوليت من نعمِ
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا ** من العناية ركناً غير منهدم
لما دعا الله داعينا لطاعته ** بأكرم الرسل كنا أكرم الأمم
***
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
راعت قلوب العدا أنباء بعثته ** كنبأة أجفلت غفلا من الغنمِ
ما زال يلقاهمُ في كل معتركٍ ** حتى حكوا بالقنا لحماً على وضم
ودوا الفرار فكادوا يغبطون به ** أشلاءَ شالت مع العقبان والرخم
تمضي الليالي ولا يدرون عدتها ** ما لم تكن من ليالي الأشهر الحُرُم
كأنما الدين ضيفٌ حل ساحتهم ** بكل قرمٍ إلى لحم العدا قرم
يجر بحر خميسٍ فوق سابحةٍ ** يرمى بموجٍ من الأبطال ملتطم
من كل منتدب لله محتسبٍ ** يسطو بمستأصلٍ للكفر مصطلمِ
حتى غدت ملة الإسلام وهي بهم ** من بعد غربتها موصولة الرحم
مكفولةً أبداً منهم بخير أبٍ ** وخير بعلٍ فلم تيتم ولم تئمِ
هم الجبال فسل عنهم مصادمهم ** ماذا رأى منهم في كل مصطدم
وسل حنيناً وسل بدراً وسل أُحداً ** فصول حتفٍ لهم أدهى من الوخم
المصدري البيض حمراً بعد ما وردت ** من العدا كل مسودٍ من اللممِ
والكاتبين بسمر الخط ما تركت ** أقلامهم حرف جسمٍ غير منعجمِ
شاكي السلاح لهم سيما تميزهم ** والورد يمتاز بالسيما عن السلم
تهدى إليك رياح النصر نشرهم ** فتحسب الزهر في الأكمام كل كم
كأنهم في ظهور الخيل نبت رباً ** من شدة الحَزْمِ لا من شدة الحُزُم
طارت قلوب العدا من بأسهم فرقاً ** فما تفرق بين الْبَهْمِ وألْبُهُمِ
ومن تكن برسول الله نصرته ** إن تلقه الأسد فى آجامها تجمِ
ولن ترى من وليٍ غير منتصرٍ ** به ولا من عدوّ غير منفصم
أحل أمته في حرز ملته ** كالليث حل مع الأشبال في أجم
كم جدلت كلمات الله من جدلٍ ** فيه وكم خصم البرهان من خصم
كفاك بالعلم في الأُمِّيِّ معجزةً ** في الجاهلية والتأديب في اليتم
في التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
مولاي صلي وسلم دائماً أبدا ** على حبيبك خير الخلق كلهم
خدمته بمديحٍ استقيل به ** ذنوب عمرٍ مضى في الشعر والخدم
إذ قلداني ما تخشي عواقبه ** كأنَّني بهما هديٌ من النعم
أطعت غي الصبا في الحالتين وما ** حصلت إلا على الآثام والندم
فياخسارة نفسٍ في تجارتها ** لم تشتر الدين بالدنيا ولم تسم
ومن يبع آجلاً منه بعاجلهِ ** يَبِنْ له الْغَبْنُ في بيعٍ وفي سلمِ
إن آت ذنباً فما عهدي بمنتقض ** من النبي ولا حبلي بمنصرم
فإن لي ذمةً منه بتسميتي ** محمداً وهو أوفى الخلق بالذمم
إن لم يكن في معادي آخذاً بيدى ** فضلاً وإلا فقل يا زلة القدمِ
حاشاه أن يحرم الراجي مكارمه ** أو يرجع الجار منه غير محترمِ
ومنذ ألزمت أفكاري مدائحه ** وجدته لخلاصي خير ملتزم
ولن يفوت الغنى منه يداً تربت ** إن الحيا ينبت الأزهار في الأكم
ولم أرد زهرة الدنيا التي اقتطفت ** يدا زهيرٍ بما أثنى على هرمِ
***
يارب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ** واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ** سواك عند حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي ** إذا الكريم تحلَّى باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ** ومن علومك علم اللوح والقلم
يا نفس لا تقنطي من زلةٍ عظمت ** إن الكبائر في الغفران كاللمم
لعل رحمة ربي حين يقسمها ** تأتي على حسب العصيان في القسم
يارب واجعل رجائي غير منعكسٍ ** لديك واجعل حسابي غير منخرم
والطف بعبدك في الدارين إن له ** صبراً متى تدعه الأهوال ينهزم
وائذن لسحب صلاةٍ منك دائمةٍ ** على النبي بمنهلٍ ومنسجم
ما رنّحت عذبات البان ريح صبا ** وأطرب العيس حادي العيس بالنغم
ثم الرضا عن أبي بكرٍ وعن عمرٍ ** وعن عليٍ وعن عثمان ذي الكرم
والآلِ وَالصَّحْبِ ثمَّ التَّابعينَ فهم ** أهل التقى والنقا والحلم والكرمِ
يا رب بالمصطفى بلغ مقاصدنا ** واغفر لنا ما مضى يا واسع الكرم
واغفر إلهي لكل المسلمين بما ** يتلوه في المسجد الأقصى وفي الحرم
بجاه من بيته في طيبةٍ حرمٌ ** واسمُهُ قسمٌ من أعظم القسم
وهذه بُردةُ المُختار قد خُتمت ** والحمد لله في بدء وفي ختم
أبياتها قد أتت ستين مع مائةٍ ** فرِّج بها كربنا يا واسع الكرم
رد: الـــبُـــــردة
جزاك الله خير اخ احمد طلحة
فاروق طلحة الشيخ محمد- عدد المساهمات : 24
تاريخ التسجيل : 05/02/2015
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى